{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ} بصبرِهم على مشاقِّ الطاعاتِ ومهاجرةِ هَوَى النفسِ في اجتنابِ المُحرَّماتِ وإيثارِ الأموالِ {جَنَّةُ} بستاناً يأكلُون منه ما شاءُوا {وَحَرِيراً} يلبسونَهُ ويتزينونَ به. وعنِ ابن عباسٍ رضيَ الله عنهما: أنَّ الحسنَ والحسينَ رضيَ الله تعالَى عنهُمَا مَرِضا فعادهُما النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ناسٍ معَهُ فقالُوا لعليَ رضيَ الله عنهُ: لو نذرتَ على شفاءِ ولدكَ فنذرَ عليٌّ وفاطمةُ رضيَ الله تعالى عنهُمَا وفضةُ جاريةٌ لهما إنْ برئَا مما بهمَا أنْ يصومُوا ثلاثةَ أيامٍ فشُفيا وما معهُم شيءٌ فاستقرضَ عليٌّ رضيَ الله عنْهُ من شمعونَ الخيبريِّ ثلاثة أصوعٍ من شعيرٍ فطحنتْ فاطمةُ رضيَ الله تعالى عنها صاعاً واختبزتْ خمسةَ أقراصٍ على عددِهم فوضعُوها بين أيديهِم ليُفطِرُوا فوقفَ عليهم سائلٌ فقالَ: السَّلامُ عليكم أهلَ بيتِ محمدٍ مسكينٌ من مساكين المسلمينَ أطعمُوني أطعمكُم الله تعالَى من موائدِ الجنةِ فآثرُوه وباتُوا لم يذوقُوا إلا الماءَ وأصبحُوا صياماً فلمَّا أمسَوا ووضعُوا الطعامَ بينَ أيديهِم وقفَ عليهم يتيمٌ فآثرُوه ثم وقفَ عليهم في الثالثةِ أسيرٌ ففعلُوا مثلَ ذلكَ فلما أصبحُوا أخذ عليٌّ بيدِ الحسنِ والحسينِ رضيَ الله عنهُم فأقبلُوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهُم وهُم يرتعشونَ كالفراخِ من شدةِ الجُوع قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ما أشدَ ما يسوؤُني ما أَرَى بكُم» وقامَ فانطلقَ معهُم فَرَأى فاطمةَ في محرابِها قد التصقَ ظهرُها ببطنِها وغارتْ عيناهَا فساءَهُ ذلكَ فنزلَ جبريلُ عليه السَّلامُ وقالَ: «خُذْها يا محمدُ هنَّأك الله تعالى في أهلِ بيتكَ فأَقْرأَهُ السورةَ» {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك} حالٌ مِنْ هُمْ فِي جَزَاهُمْ والعاملُ فيها جَزَى وقيلَ: صفةٌ لجنةً من غيرِ إبرازِ الضميرِ. والأرائكُ هي السُّررُ في الحجالِ. وقولُه تعالَى: {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} إمَّا حالٌ ثانيةٌ من الضمير أو المستكنِّ في متكئينَ والمَعْنى أنَّه يمرُّ عليهم هواءٌ معتدلٌ لا حارٌّ محمٌّ ولا باردٌ مؤذٍ وقيلَ: الزمهريرُ القمرُ في لُغةِ طَيِّيءٍ والمَعْنى أنَّ هواءَهَا مضيءٌ بذاتِه لا يحتاجُ إلى شمسٍ ولا قمرٍ {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها} عطفٌ على ما قبلَها حالٌ مثلُها أو صفةٌ لمحذوفٍ معطوفٍ على جنةً أي وجنةً أخرى دانيةً عليهم ظلالُها على أنَّهم وُعدوا جنتينِ كما في قولِه تعالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} وقرئ: {دانيةٌ} بالرفعِ على أنه خبرٌ لظلالِها والجملةُ في حيزِ الحالِ والمعنى لا يَرَون فيها شمساً ولا زمهريراً والحالُ أنَّ ظلالَها دانيةٌ. قالُوا: معناهُ أنَّ ظلالَ أشجارِ الجنةِ قريبةٌ من الأبرارِ مظلةٌ عليهم زيادةً في نعيمِهم على مَعْنى أنه لو كانَ هناكَ شمسٌ مؤذيةٌ لكانتْ أشجارُهَا مظلةً عليهم مع أنَّه لا شمسَ ثمةَ ولا قمرَ {وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} أي سُخرتْ ثمارُها لمتناوليها وسُهلَ أخذُها من الذُّلِّ وهو ضدُّ الصعوبةِ. والجملةُ حالٌ من دانيةً أي تدنُو ظلالُها عليهم مُذلَّلة لهم قطوفُها. أو معطوفةٌ على دانيةً أي دانيةً عليهم ظلالُها ومذللةً قطوفُها، وعلى تقديرِ رفعِ دانيةً فهيَ جملةٌ فعليةٌ معطوفةٌ على جُملةٍ اسميةٍ.